الرّد على الشّبهات حول الاحتفال بذكرى مولد سيّد السّادات
صلّى الله عليه وآله وسلّم
من إعداد: سيّد محمّد جلال الدين الأزهري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد!
فإن الاحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبي الرحمة وغوث الأمة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات، التي فيها تعظيم لشعائر الله تعالى، كما جاء في الذكر الحكيم ” ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [سورة الحج , آية-32] ”
وقد درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين ابن الجوزي وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي رحمهم الله تعالى.
وألف في استحباب الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف جماعة من العلماء والفقهاء بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.
وقد أطال ابن الحاج في المدخل في ذكر المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال، وذكر في ذلك كلاما مفيدا يشرح صدور المؤمنين، مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه المدخل في ذم البدع المحدثة التي لا يتناولها دليل شرعي. وما ظهر من بعض الجهلة المتطفلين على مائدة العلم من إنكار الاحتفال بذكرى ليلة المولد الشريف، هو من قبيل الجهل المنسوب لصفتهم وينبغي أن يعرض العاقل عن كلامهم ولا يلتفت إليه مطلقا لأنه صادر عن جهل منهم بقواعد العلم المعتبرة عند الأئمة، إضافة إلى فساد ضميرهم وضعف عقيدتهم.
فإن الواجب على المرء أن يعظم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من تعظيم أي بشر حتى أعظم من والديه ومن أبنائه ومن له حق عليه لأنه لا حق لأحد من البشر أعظم من حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمته . إذن فذكرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كائنة في قلب كل عبدٍ مؤمن حين يفعل أي عبادة من عبادة الله.
الاحتفال بهذا المولد الكريم هو احتفالٌ بالقيم السامية، وشكرٌ للّه على منّه، وإظهار للحبّ الكامن في النفوس له وتكريم لمن كرمه اللّه تعالى وأمر بتكريمه واحترامه وحبّه ومودّته.
وهو ردّ على من يزعم بأنّ ذلك محرم لكونه بدعة .. فالمسلمون السابقون في العصور الاِسلامية الاَولى احتفلوا بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك بإنشاد القصائد الرائعة في مدحه، وذكر خصاله ومكارم أخلاقه وإظهار السرور والفرح، والشكر للّه تعالى بلطفه وتفضّله به صلى الله عليه وآله وسلم على البشرية.
ولذا كان لابدّ من أداء هذا الاحتفال في كلّ وقت وزمان، في حياته وبعد إنتقاله إلى جوار ربه صلى الله عليه وآله وسلم ..
كان الصحابة رضي الله عنهم يتذاكرون فيه من سير الأنبياء، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر سيرته، لأنه أفضل وأكمل الأنبياء والجامع لما كان متفرقاً فيهم، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوي لأن فيه ذكراً لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد أخرج الترمذي والدارمي والقاضي عياض في الشفا عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، قال بعضهم: إن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وقال آخر: موسى كلّمه الله تكليماً، وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه، وقال آخر: آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: “قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجي الله وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولافخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر ( ) .
وأصل الحديث في الصحيحين .ويؤيد هذه الرواية التي تؤكد احتفاء الصحابة بذكرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا كعب الأحبار رضي الله عنه يتذاكر مع عائشة فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما خصه به، فقال كعب ما من فجر إلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفاً حتى يحفوا بالقبر فيضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعون ألفاً بالليل وسبعون ألفاً بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة يزفونه ـ وفي لفظ يوقرونه ـ ( )
وثبت ، أن حب النبي وتكريمه أصل من أصول الإسلام لا يصح لأحد إنكاره ، ومن المعلوم أن المطلوب ليس الحب الكامن في القلب من دون أن يرى أثره على الحياة الواقعية ، وعلى هذا يجوز للمسلم ، القيام بكل ما يعد مظهراً لحب النبي شروط أن يكون عملا حلالاً بالذات ولا يكون منكرا في الشريعة ، نظير ذلك: تنظيم السنة النبوية ، وإعراب أحاديثها وطبعها ونشرها بالصور المختلفة ، والأساليب الحديثة ، وفعل مثل هذا بالنسبة إلى أقوال الصحابة وأهل البيت وأحاديثهم .
نشر المقالات والكلمات ، وتأليف الكتب المختصرة والمطولة حول حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنشاء القصائد بشتى اللغات والألسن في حقه، كما كان يفعله المسلمون الأوائل .
فالأدب العربي بعد ظهور الإسلام يكشف عن أن إنشاء القصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مما يعبر به أصحابها عن حبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .فهذا هو كعب بن زهير ينشئ قصيدة مطولة في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منطلقا من إعجابه وحبه له صلى الله عليه وآله وسلم فيقول في جملة ما يقول :
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول ( )
وهناك شعراء مخلصون أفرغوا فضائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومناقبه في قصائد رائعة وخالدة مستلهمين ما جاء في الذكر الحكيم والسنة المطهرة في هذا المجال ، فشكر الله مساعيهم الحميدة وجهودهم المخلصة .
ما أثير حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف, نود ذكر الشبهات والجواب عنها:
الشبهة الأولى والرد عليها: إن لتاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري الفاكهاني المتوفى سنة (734ه) رسالة في الاعتراض على المولد، فحواها الاعتراض على ما يدخله من الجناية فقط. فالاعتراض ليس على المشروعية بل على ما قد يشوبه من مخالفات، وهي لا تختص به بل تقع في غيره أيضاً، ثم إن الفاكهاني المذكور تأخر عمن استحسنوه وأقروه كما تقدم، فكان كلامه كالمخالف لما اتفق عليه المسلمون، ففيه نظر من هذه الجهة أيضاً كما يعلم من علم الأصول. وقد أورد الحافظ السيوطي رسالة الفاكهاني في “حسن المقصد في عمل المولد” وتعقبه ولم يبق له شبهة. ( )
الشبهة الثانية والرد عليها: قولهم: إن المولد بدعة وفي الحديث: “وكل بدعة ضلالة” ولم يفعله أحد من السلف، فالجواب عنه من وجوه:
الكراهة والحرمة. وتقسيم المحدثات إلى هذين القسمين هو الصواب المؤيد بالواقع، وبه صرحت عبارات كثير من أئمة الدين كالشافعي والعز بن عبدالسلام وأبي شامة المقدسي والنووي وغيرهم، ( )
الثاني: البدعة في الاصطلاح هي ما خالفت أصلاً اتفق عليه، وقال السبكي وغيره: ما أطلقت على الحادث الذي لا أصل له في الشرع.والبدعة المحدثة، التي جاءت على غير مثال سابق، ولم تخالف أصلاً قد ذكرها القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد 27] أي إن الله سبحانه وتعالى ما ألزمهم بها إلا بعد ما ألزموا بها أنفسهم علماً بأنها في الأصل مرضية من الله، ولكن الله رفع الوجوب فبقي الندب، فحينما ألزموا بها أنفسهم لزمتهم.ومعنى فما رعوها حق رعايتها أي لم يصبروا على الرهبانية المحمودة، وهي الانقطاع لله تعالى مع الاهتمام بأمر المسلمين.
هذا ما فعله بنو إسرائيل في أول أمرهم ثم بعد ذلك فصلوا نية العزم على إعلاء كلمة الله عن الغيرة على حرمات الله لذا ذمهم المولى سبحانه بأنهم “فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ” ومن هنا نخلص إلى أن كل ما ابتدع على غير مثال سابق لا بد أن يحاط بالعناية والدقة التامة في عدم مخالفة الشرع.وبسط ذلك المبحث تجده في كتابي “البدعة الحسنة أصل من أصول التشريع “.
وقال العلامة إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان: عند تفسير قوله تعالى : “وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا”: فأقرهم تعالى عليها ولم يعب عليهم فعلها، إنما عاب عليهم عدم رعايتهم لها في دوام العمل فقط وخلع عليها اسم البدعة في حقهم، بخلاف هذه الأمة خلع على مااستحسنوه اسم السنة الحسنة تشريفاً لهم كما قال عليه الصلاة والسلام: “من سنَّ سنّة حسنة…” ( )
وقال بعض الكبار : جميع ما ابتدع من السنة الحسنة على طريق القربة إلى الله تعالى داخل في الشريعة التي جاءت بها الرسل. وأكد هذا المعنى السيد عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري في كتابه:
“إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة” فقال: “فإنّ الآية لم تعب أولئك الناس على ابتداع الرهبانية، لأنهم قصدوا بها رضوان الله، بل عابَتْهم على أنهم لم يرعوها حق رعايتها، وهذا يفيد مشروعية البدعة الحسنة كما هو ظاهر” .ثم استدل رحمه الله تعالى بما رواه الطبراني في المعجم الأوسط ومجمع الزوائد: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن الله فرض عليكم صوم رمضان ولم يفرض عليكم قيامه، إنما قيامه شيء أحدثتموه فدوموا عليه، فإنَّ ناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها فقال: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها. ( )
وأما بعد انقطاع الوحي وانتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى أصبح فعل الصحابي بدعة حسنة، بدليل قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: نعمت البدعة هذه.
الشبهة الثالثة والرد عليها: قولهم: لا دليل على فعل المولد، فالجواب عليه: إن عدم الدليل، ليس بدليل والاعتماد على المجهول مردود. ويكفي في هذه العجالة أن أنقل قول ابن القيم في هذا المعنى فإنَّه قد اعتُرض عليه في مسألة القراءة للأموات فقال في كتاب الروح ما نصه: “والقائل: إنَّ أحداً من السلف لم يفعل ذلك، قائل ما لا علم له به، فإنَّ هذه شهادة على نفي مالم يعلمه، وما يدريه أن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه. ( )
الشبهة الرابعة والرد عليها: قولهم : المولد محدث، وكل محدثة بدعة مردودة، فالجواب عليه: مفهوم حديث “من أحدث في أمرنا هذا… الحديث” يخصص منطوقه. فمنطوق الحديث “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” فيكون مفهومه (أي مفهوم المخالفة) هو: من أحدث في أمرنا هذا ما هو منه فليس برد.
فلم يقل أحد: إنَّ جمع القرآن الكريم وإرساله إلى الأمصار وبناء المدارس والأربطة ووضع العلوم والنداء في صلاة القيام والتهجد جماعة في الحرم وغيره من البدع المذمومة.والمعترضون هربوا وسموها مصالح مرسلة ولا مشاحة في الاصطلاح فلماذا التشدد؟!!
وحديثه صلى الله عليه وسلم: ” قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: مَنْ سَنَّ في الإِسْلام سُنةً حَسنةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وأَجْرُ منْ عَملَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ مِنْ أُجُورهِمْ شَيءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإِسْلامِ سُنَّةً سيَّئةً كَانَ عَليه وِزْرها وَوِزرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بعْده مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزارهمْ شَيْءٌ” ( ).
والحديث عام لأن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم وهذا متفق عليه.وقد حاول بعضهم صرف الحديث عن ظاهره فقال: سنّ معناها أحيا، لأن الحديث فيه “ومَنْ سَنَّ في الإِسْلامِ سُنَّةً سيَّئةً”. الحديث. وهو اعتراض مردود لأن معنى كلامه على تأويله المردود “من أحيا في الإسلام سنة سيئة” وهذا كلام فيه شناعة لأنه يلزم منه وجود سنة سيئة في الإسلام.نعوذ بالله من الخذلان.
والحاصل أن الحديث نصٌّ في الباب لا يحتمل غيره، ومن رأى غير ذلك يكون قد صرف الحديث عن ظاهره بدون صارف، ثم هو بين أمرين: إما أن يرجع للصواب، وإلا فهو مكابر والمكابر لا كلام لنا معه فيما كابر فيه.
الشبهة الخامسة والجواب عليها: زعمهم أن الصحابة رضي الله عنهم لم يحتفلوا بالمولد، فالجواب عليه: إن ترك الاحتفال بالمولد من الصحابة لا يعني تحريم أو كراهة الاحتفال بالمولد، لأن الترك لم يقترن بنهي أو غيره فغاية ما فيه هو جواز الترك للاحتفال فقط، وقد قال الله تعالى: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ . [الحشر/7] ولم يقل: ما تركه فانتهوا عنه فالترك لا يفيد التحريم. وقد حرر بحث الترك تحريراً ما عليه مزيد العلامة الكبير المحقق السيد عبد الله بن الصديق الغماري الحسني رحمه الله تعالى في رسالة “حسن التفهم والدرك لمسألة الترك”
الشبهة السادسة والرد عليها: يُلبّس المخالفون على عامة الناس بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “لقد أبدلنا الله بعيدين عيد الفطر وعيد الأضحى” فلم يذكر الاحتفاء بمولده.يُردُ على هذه الشبهة بأن في الدين مسائل كثيرة جاء بها القرآن الكريم وجاءت بها السُنة اقتصر على ذكرها ولم يذكر ما في بابها من جنسها فهل يدل ذلك على منعها وعدم ثبوتها؟ فلو كان هذا المعنى معتبراً لسقطت تعاليم إسلامية كثيرة. ولذا نص العالم الأصولي الإمام الزركشي في كتاب البحر في المسألة الثالثة ما نصه:” ذكر بعض أفراد العام الموافق له في الحكم لا يقتضي التخصيص”. اه.( )
وقال الآمدي في المسألة الثانية عشرة: “اتفق الجمهور على أنه إذا ورد لفظ عام ولفظ خاص يدل على بعض ما يدل عليه العام، لا يكون الخاص مخَصِّصاً للعام بجنس مدلول الخاص ومخرجاً عنه ما سواه”. ( )
وفي قضيتنا هذه إنما كان الحديث إجابة على سؤال، ومن المعلوم عند الأصوليين أن الإجابة على السؤال لا تقتضي الحصر والتخصيص، كما تصرح به القاعدة الأصولية المتقدمة. وفي القواعد الفقهية: “إن ما أوجب شيئاً بخصوصه لا يمنع الأعم بعمومه”.
وبناء على ما تقدم تبين جواز الاحتفال بالمولد في أي يوم أو في أي شهر أو في أي سنة على الإطلاق إضافة إلى دخول هذا الاحتفال في عموم الأدلة التي تحض على ذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي كثيرة كقوله سبحانه : ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ سورة الاحزاب 41-42) وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (سورة الأحزاب-56)
نسأل الله أن يعرفنا بقدر نبينا خاتم الأنبياء والمرسلين ويجعل حبه ساكنا في سويداء قلوبنا وممتزجا بأرواحنا وأبداننا حتى ننال شفاعته والقرب منه يكون أسعد الناس من نال القرب منه في عرصات القيامة إنه سميع مجيب.